في خضم تحديات مناخية مقلقة ومتسارعة، تستضيف دولة الإمارات في نوفمبر المقبل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناح “كوب 28” وسط تفاؤل من قبل الخبراء فيما يتعلق بمخرجات المؤتمر، خصوصا أنه سيشهد أول تقييم عالمي شامل للتقدم المحرز منذ اعتماد اتفاقية باريس للمناخ عام 2015.
واشنطن - كان الربيع العربي الذي اندلع في عام 2010 بمثابة نهاية حقبة الهيمنة المصرية وبداية تحول في السلطة نحو الدول الأصغر حجما والأكثر ثراء والأكثر تقدمية في المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة. ومن المقرر أن تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ، "كوب 28"، في نوفمبر المقبل، خلفا للمضيف السابق، مصر.
وعلى الرغم من أن قرار نقل مسؤوليات استضافة مؤتمر الأطراف من مصر إلى الإمارات العربية المتحدة قد اتخذته مجموعة دول آسيا والمحيط الهادئ، إلا أنه يلخص التحول في ديناميكيات السلطة داخل الشرق الأوسط على مدى العقدين الماضيين. وسلمت مصر، التي قادت العالم العربي خلال القرن العشرين، زمام الأمور إلى قوة إقليمية جديدة تسعى إلى نشر رؤيتها وهي الإمارات العربية المتحدة.
وقد دعت أبو ظبي إلى نماذج لاقتصاد متنوع لا يعتمد فقط على الموارد الطبيعية، وكذلك لمجتمع يتطلع إلى احتضان التقدم إلى جانب المحافظة على القومية القائمة على الرخاء والازدهار والأهم من ذلك، التسامح الديني والاجتماعي. وتحتاج دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إظهار قوتها في قيادة السياسات والإجراءات المتعلقة بتغير المناخ، والذي ربما يكون أخطر تهديد يواجه العالم اليوم.
وخلافا للاعتقاد الشائع، يواجه الشرق الأوسط تأثيرا مباشرا نتيجة لتغير المناخ أكثر من الغرب. ويؤكد التصحر، وندرة الغذاء، والهجرة، وارتفاع منسوب سطح البحر، والفارق الصارخ في متوسط العمر المتوقع بين الشرق الأوسط (71) والغرب (78.9) على هذه الحاجة الملحة. ولدولة الإمارات العربية المتحدة، الرائدة إقليمياً وعالمياً، حصص كبيرة في ضمان نجاح مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "كوب 28".
وأثبتت الإمارات في السنوات الأخيرة التزامها بتبني وتنفيذ أعلى المعايير الدولية. واحتلت المرتبة الأولى في تصنيف مؤشر المرونة الوبائية للاستجابات الحكومية لفايروس كورونا في عام 2022.
وعلى الصعيد الاقتصادي، عملت أبوظبي على تبسيط وزاراتها الحكومية بشكل فعال وتحفيز نمو الوظائف في القطاع الخاص، وهو جهد شهد عمل 29810 إماراتي في القطاع الخاص. وسيبلغ القطاع الخاص في عام 2021 ثلاثة أضعاف تقريبًا ليصل إلى 79000 في عام 2023. وفي عام 2022، تحولت الإمارات أيضًا إلى عطلة نهاية الأسبوع من السبت إلى الأحد لمواءمة اقتصادها مع اقتصاد السوق العالمية.
وكجزء من جهودها لضمان قدرتها التنافسية والتنمية المستقبلية، خضعت الإمارات لإصلاحات كبيرة في مجال حقوق الإنسان بما في ذلك تقديم التجنس للعمال الأجانب وإدخال الزواج المدني لغير المسلمين. ويرى محللون أن هذا النهج العملي الذي تتبعه أبوظبي يؤتي ثماره محليا. وعلى المستوى الإقليمي، فقد استثمرت على نطاق واسع في أفريقيا، ودعّمت مصر اقتصاديًا، وكانت نشطة في جهود البحث والإنقاذ في أعقاب الزلزال الأخير في سوريا وتركيا.
وتعكس هذه التغييرات الإستراتيجية التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بالتقدم، وهي رؤية ورثتها عن مؤسسيها. ويمثل مؤتمر "كوب 28" القادم في دبي فرصة مفيدة وهو تعبير عن سعي الدولة للتكيف مع المتغيرات العالمية والتحول إلى نموذج للاقتصاد العربي المزدهر الذي يلبّي أعلى المعايير الدولية.
وعلى الرغم من دورها في سوق الطاقة التقليدية، ترغب دولة الإمارات العربية المتحدة في قيادة أجندة المناخ العالمية بما في ذلك خفض الانبعاثات. وينعكس ذلك في خطة العمل التي قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة في بروكسل في يوليو 2023، وكذلك في سياساتها المحلية بما في ذلك، على سبيل المثال، الجهود التي بذلتها صناعة البناء والتشييد (خاصة في دبي) في السنوات الأخيرة لزيادة الاستثمار في تقنيات البناء الذكية والتي تركز على تقليل استهلاك الطاقة.
وتمثل المبادرة الإستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 محركاً وطنيا يهدف إلى خفض الانبعاثات والحياد المناخي بحلول 2050، مما يجعل الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي. وتتماشى مبادرة الإمارات للحياد المناخي 2050 مع المبادئ العشرة للخمسين سنة الجديدة، حيث ستوفر المبادرة فرصاً جديدة للتنمية المستدامة والتقدم الاقتصادي، كما تسهم في ترسيخ مكانة الدولة وجهةً مثالية للعيش والعمل وإنشاء المجتمعات المزدهرة.
كما تتواءم المبادرة مع أهداف اتفاق باريس للمناخ لتحفيز الدول على إعداد واعتماد إستراتيجيات طويلة المدى لخفض انبعاث غازات الدفيئة والحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض دون الدرجة والنصف مئوية إلى درجتين مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ويمثل نشر واستخدام حلول الطاقة النظيفة أحد الركائز الرئيسة في نموذج الإمارات في العمل من أجل المناخ وخفض انبعاثات غازات الدفيئة، حيث تستهدف دولة الإمارات ضمن إستراتيجية الطاقة حتى عام 2050 مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والنووية والنظيفة، لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية.
كما تهدف الإستراتيجية إلى رفع كفاءة الاستهلاك الفردي والمؤسسي بنسبة 40 في المئة، ورفع مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الدولة إلى 50 في المئة منها 44 في المئة طاقة متجددة و6 في المئة طاقة نووية، بالإضافة إلى خفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70 في المئة خلال العقود الثلاثة المقبلة، فيما تحرص حكومة الإمارات بمختلف جهاتها على تنفيذ المبادرات الهادفة إلى الحد من الانبعاثات، بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية وذلك عبر تبني التكنولوجيا المبتكرة، وتطوير الحلول المستدامة التي تدعم التحول الأخضر.
مؤتمر "كوب 28" القادم في دبي يمثل فرصة مفيدة وتعبير عن سعي دولة الإمارات للتكيف مع المتغيرات العالمية والتحول إلى نموذج للاقتصاد العربي المزدهر
◙ مؤتمر "كوب 28" القادم في دبي يمثل فرصة مفيدة وتعبير عن سعي دولة الإمارات للتكيف مع المتغيرات العالمية والتحول إلى نموذج للاقتصاد العربي المزدهر
ودعّمت دولة الإمارات تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية والطاقة النظيفة عالمياً، كما تعزز نشر واستخدام حلول الطاقة المتجددة في الدول النامية، حيث استثمرت في مشاريع للطاقة المتجددة في 70 دولة بقيمة إجمالية تقارب 16.8 مليار دولار أميركي. ويأتي الإعلان عن مبادرة الإمارات لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 كعلامة فارقة في مسيرة امتدت ثلاثة عقود للدولة في العمل المناخي ورؤية إستراتيجية لثلاثة عقود مقبلة.
ولكي تنجح خطة العمل العالمية بشأن تغير المناخ، فإن التعاون الفعال مع القادة الإقليميين اليوم وغداً أمر بالغ الأهمية في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يكون لجهود الرواد الإماراتيين في إقناع جيرانهم بإجراء إصلاحات شجاعة (من المرونة في تفسير الشريعة الإسلامية إلى اعتماد معايير دولية بشأن مسائل الحقوق الفردية بما في ذلك وضع المرأة وإدماج الأجانب) تأثير كبير على المناخ كما هو الحال في الشرق الأوسط.
ويقوم كبار المسؤولين التنفيذيين الإماراتيين بتوجيه المنطقة نحو مستقبل مستدام، فيما يؤكد مراقبون أن معرفتهم الوثيقة بالعناصر التي تشكل البلاد والمنطقة يعني أن لديهم فرصة أفضل للتأثير بنجاح على التغيير الحقيقي. ويعد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "كوب 28" الذي تقوده دولة الإمارات العربية المتحدة فرصة مهمة لتشكيل تصورات وسياسات الشرق الأوسط تجاه تغير المناخ، وهي ظاهرة تؤثر بشدة على الحياة في المنطقة.
◙ لدولة الإمارات الرائدة إقليمياً وعالمياً، حصص كبيرة في ضمان نجاح مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ
وعينت الإمارات الدكتور سلطان أحمد الجابر الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وكذلك رئيس مجلس إدارة شركة أبوظبي لطاقة المستقبل رئيسا لـ"كوب 28". وقال الجابر الثلاثاء إن العالم يخسر في السباق نحو تحقيق أهدافه المتعلقة بتغير المناخ. وجاءت تصريحاته في الوقت الذي يجتمع فيه الرؤساء الأفارقة في كينيا لبحث كيفية تمويل الأجندة البيئية للقارة.
وجاء هذا التقييم المتشائم من الجابر قبل ثلاثة أيام من نشر المنظمة أول “تقييم عالمي” لجهود الدول المبذولة لمعالجة هذه الظاهرة. وقال الجابر للوفود المشاركة في قمة المناخ الأفريقية بالعاصمة الكينية نيروبي “إننا لا نحقق النتائج التي نحتاجها في الوقت الذي نحتاج إليها فيه”. وتركز القمة التي افتُتحت الاثنين على حشد تمويل لتعامل أفريقيا مع تغير المناخ.
ويقول باحثون إنه في حين تعاني القارة الأفريقية بعضا من أسوأ تداعيات تغير المناخ، فإنها تتلقى نحو 12 في المئة فقط من التمويل الذي تحتاجه للتصدي لتلك التداعيات. وأُعلن عن استثمارات بمئات الملايين من الدولارات في مشاريع للتنمية المستدامة الاثنين، كما قال الجابر الثلاثاء إن الإمارات تعهدت بمبلغ 4.5 مليار دولار لتطوير طاقة نظيفة بقدرة 15 غيغاوات في أفريقيا بحلول عام 2030.
وتمتلك القارة حاليا قدرة مركبة لإنتاج الطاقة المتجددة تبلغ نحو 60 غيغاوات. ويقول المسؤولون الأفارقة إن الاستثمارات موضع ترحيب، لكن تلبية احتياجات القارة التمويلية ستتطلب تحوّلا في هيكل التمويل المناخي العالمي. وتعتزم الدول الأفريقية الضغط على وجه الخصوص خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “كوب 28” من أجل زيادة حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي مما يمكن أن يطلق العنان لتمويل مناخي بقيمة 500 مليار دولار، يمكن الاستفادة منه بما يصل إلى خمس مرات.
وتواجه دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عددًا من العقبات التي تحرمها من تلقي التمويلات المناخية لدعم مشروعات انتقال الطاقة. وسلّطت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية لوري هابتايان الضوء على تدني النسب التي حصلت عليها دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تمويلات التغيرات المناخية، مقارنةً بمناطق أخرى مثل دول شرق آسيا وجزر المحيط الهادئ.
وأوضحت هابتايان أن هذه الدول قد نجحت في الحصول على تمويلات بقيمة 293 مليار دولار، مقارنةً بنحو 16 مليار دولار فقط لدول منطقة الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن هذا يمثل فجوة كبيرة للغاية في حجم التمويل قبل “كوب 28”. كما أبرزت وجود تفاوت في حجم التمويل حتى بين دول منطقة الشرق الأوسط، موضحة أن المغرب ومصر وتونس تُعَد أكثر الدول حصولًا على التمويلات المناخية، بينما لم تحصل بعض الدول على تمويل مناخي على الإطلاق.
|